غلطة الأمهات قبل البنات !!
خالد الشايع
في كل عام يتكرر سؤال شرعي يوجه إلى أصحاب الفضيلة العلماء وهذه فحواه :
تقول السائلة : إني عندما كنت صغيرة وبلغتُ سِنَّ التكليف وأتتني الدورة في رمضان تظاهرتُ بالصيام حتى في تلك الأيام كما كنت متعودة في رمضان ، ولم أقض ما أفطرته من أيام ، وتوالت السنين حتى بلغت الثلاثين أو الأربعين ولم أقض ، فماذا يجب علي ؟.
إنَّ هذا السؤال وأمثاله ليدل على التباعد الحاصل بين الفتيات وبين أمهاتهن ، حيث تتردد الفتاة في مصارحة أُمِّها في كثيرٍ من الأمور التي تعرض لها حياءً وخجلاً ، أو بسبب ما بينها وبين أمها من التباعد والشقاق .
ولهذا فإنَّ الفتيات ـ وخصوصاً في فترة المراهقة ـ ربما صرَّحن بأسرارهن ومكنونات أنفسهن إلى صديقاتهن المراهقات مثلهن ، ممن يفتقدن الحكمة والتجربة ، ولهذا ربما جاءت تلك الاستشارة بالكوارث .
إنَّ المطلوب من الأم أن تكون بمنزلة الصديقة لبنتها : تحادثها ، وتلاطفها ، وتروِّح عنها ، لتكون قريبةً من نفسها ، وخاصة في مرحلة المراهقة .
ومن تأمل في النصوص الشرعية فإنه يدرك أن الأنثى قد جبلت على رقة المشاعر ورهف العواطف ، ولهذا فقد جاءت الشريعة حاضَّةً ومرغبةً في أن يكون التعامل مع المرأة في عدد من القضايا ملاحَظاً فيه هذه الجِبِلَّة التي جُبِلَ عليها بنات آدم .
وعندما يجاوز الناس هذا الاعتبار ويهملونه فإنه يصيبهم من الشطط والخطل بقدر مجاوزتهم لهذا الاعتبار الجليل .
وكثيرٌ من الناس اليوم على طرفي نقيض :
فهناك الأنماط الأسرية التي تجعل للفتاة كامل الحرية في الذهاب والإياب ، والغيبة عن البيت متى شاءت ، وأين شاءت (!!) .
وهناك ما هو على النقيض ، وهو التشديد الشديد على الفتاة في حديثها ولبسها وتحركاتها ، بما يكون معه حرمانها مما أحل الله وأباحه ، فينشأ حينئذ هاجس البحث عن مَلاذٍ آخر ومأوى بديل !! والصواب ما بين ذلك.
وحتى ندرك واحداً من المعالم السديدة في التعامل مع الفتاة من قبل أسرتها ، وخاصةً أبويها ، وما ينبغي من احتوائها والعناية بعواطفها ومشاعرها ، فلنا أن نتوقف مع موقف كريم جليل لحظته السيدة الكريمة عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ ونقلتها إلينا .
فقد روى أبو داود والترمذي عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت : ما رأيتُ أحداً كان أشبه سَـمْتاً ، وهَدياً ، ودَلاً ، وحديثاً ، وكلاماً ، برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة رضي الله عنها ، كانت إذا دَخَلَت عليه قام إليها ، فأخذها بيدها ، وقبَّلَها ، وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه ، فأخذت بيده ، فَقَبَّلَتْهُ ، وأجلَسَتْهُ في مجلسها " .
إنَّ هذا التعامل الراقي الذي يفيض رحمةً ويتوهج عطفاً لتحتاج إليه الفتيات اليوم أكثر من أي يوم مضى
، ليشعرن بقرب أهليهن منهن وحرصهم عليهِنَّ ، حتى يُجَنَّبْنَ كثيراً من ضغوط الحياة المعاصرة ومعاطبها ، بل وحتى يتدرجن ويرتقين في معارج الفضل والكرم والنُّبل .
نسأل الله تعالى أن يَهَبَ لنا من لَدُنه رحمةَ ، إنه هو الوهاب ، وصلى الله وسلم على
نبينا محمد