الدعوة السرّيّة إلى الإسلام
بدأ رسول
صلى
عليه وسلم يدعو إلى الإسلام، من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً، ثم أُمر بإظهار الدعوة بنزول قول
عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (الشعراء/ 214).
صبره صلى عليه وسلم هو وأصحابه على إيذاء المشركينجاهرت قريش رسول
صلى
عليه وسلم بالعداوة والأذى، وكان عمه أبو طالب يمنعهم مع بقائه على دين قومه، في حين أن عمه أبا لهب كان أشد قومه وأولهم إيذاءً لرسول
صلى
عليه وسلم ، واشتركت بطون قريش ورجال منها في إيذائه كذلك، واشتدوا في هذا الإيذاء، يعذبون من لا منعة - حماية - عنده ويؤذون من لا يقدرون على عذابه، والإسلام على هذا ينتشر في الرجال والنساء، ولقي أصحاب رسول
صلى
عليه وسلم من العذاب أمراً عظيماً، ورزقهم
تعالى على ذلك من الصبر أمراً عظيماً .
بعض مظاهر أذى قريش للمسلمين:1- الضرر المادي والسب العلني: ومن ذلك وضعهم بقايا الحيوانات ودماءها ومشيمتها - غشاء رقيق يحيط بالجنين- بين كتفي النبي صلى
عليه وسلم وهو ساجد. وقد خنق عقبة بن أبي معيط رسول
صلى
عليه وسلم وهو يصلي في فناء مكة، وكانت قريش تسبّ الرسول صلى
عليه وسلم وتقول له مذمم - من الذم وهو عكس الحمد -، وتسبّ القرآن ومن أنزله ومن جاء به، وقد اجتمعت قريش لقتل الرسول صلى
عليه وسلم مما كان سبباً مباشراً للهجرة إلى المدينة .
ومن أذى المشركين للمسلمين طعن أبي جهل للسيدة سمية أم عمار بن ياسر بحربة في فرجها فقتلها، وطرحهم لبلال بن رباح على الرمضاء في حر مكة، وإلقاؤهم صخرة عظيمة على بطنه بعد أن ألبسوه درعاً من الحديد في الحرّ الشديد.
2- السخرية والاستهزاء والضرر النفسي: وهذا من الأساليب التي اتبعتها قريش في الإيذاء، حيث اتهموا الرسول صلى
عليه وسلم بالكذب وبالسحر وبالكهانة، ووضعوا في عنق بلال بن رباح حبلاً وأسلموه للصبيان ليطوفوا به شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد، وغير ذلك من الأمثلة التي تبين مدى استهزائهم بالمسلمين .
3- الحصار الاقتصادي والاجتماعي:
لم يمنع الإيذاء البدني والنفسي الناس عن الدخول في الإسلام فتعاقد كفّار قريش على بني هاشم وبني المطلب - وهم بطن النبي صلى
عليه وسلم من قريش - ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم، وكتبوا في ذلك صحيفة، وحصروهم في شعب أبي طالب مدة طويلة (قيل ثلاث سنوات أو أقل) وقد كان الحصار كاملاً بمعنى الكلمة، وذلك حتى يسلموا رسول
صلى
عليه وسلم للقتل، ولكن
عصمه رغم البلاء والشدة.
هجرة المسلمين الأولى والثانية إلى الحبشةحينما اشتد البلاء والفتنة والإيذاء على المسلمين في مكة، قال لهم رسول
صلى
عليه وسلم: "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل
لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه" (رواه البخاري).
فخرج المسلمون حتى نزلوا بالحبشة فأكرمهم النجاشي وأمّنهم، وكان أول من هاجر من المسلمين عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول
صلى
عليه وسلم، وتبعه جمع من كبار الصحابة، وكانت الهجرة الأولى سنة خمس من مبعث الرسول صلى
عليه وسلم، وعدد الذين هاجروا فيها أحد عشر رجلاً وأربع نسوة.
وأما الثانية فكان عدد الذين هاجروا فيها اثنين وثمانين رجلاً وثماني عشرة امرأة، وأبناؤهم ، وسببها أن المهاجرين الأوائل سمعوا بإسلام قريش فعاد بعضهم ومنهم عثمان بن عفان وزوجته فلم يجدوا قريشاً أسلمت، ووجدوا المسلمين في بلاء عظيم وشدة، فهاجروا مرة أخرى ومعهم هذا العدد الكبير.
وقد أرسلت قريش في أثرهم عمرو بن العاص وعبد
بن أبي ربيعة بهدايا إلى النجاشي ليردّ المسلمين، ولكن هيهات فقد أسلم النجاشي وأبى أن يردّهم، بل أعطاهم الأمان في أرضه وأقرّهم على دينهم، وردّ رسل قريش لم ينالوا شيئاً.
وفاة أبي طالب وخديجة رضي عنهاما إن أعز
الإسلام بعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب، وخروج بني هاشم من شعب أبي طالب، حتى توفي أبو طالب في أواخر العام العاشر من البعثة. وبموته فقد الرسول صلى
عليه وسلم سنداً كبيراً، لم يجد من يقوم مقامه من بني هاشم، ولذلك بدأ الرسول صلى
عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ليطلب نصرتها، ورحل إلى الطائف لأجل تلك النصرة ولكنها لم تحدث . فقد خذله أهل الطائف وسلطوا عليه صبيانهم فقذفوه بالحصى حتى أدموا قدميه واستهزءوا به كثيراً ولكن هذا لم يجعله ييأس صلى
عليه وسلم .
وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي
عنها في نفس العام، ففقد الرسول صلى
عليه وسلم سنداً ثانياً من داخل كيانه الأسري.