لماذا يلوّح أبي زيد بالحرب العالمية الثالثة؟
محمد خليفة
الأنشودة السوداء الزائفة التي عبّر عنها “المفكّر” و”الواعظ” العسكري الجنرال جون أبي زيد قائد القيادة الأمريكية الوسطى في محاضرة ألقاها في جامعة هارفارد، من احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة إن لم يجد العالم وسيلة لوقف ما سمّاه “تصاعد التطرّف الإسلامي”. وقارن أبي زيد بين ظهور أيديولوجيا المتشددين، مثل القوة التي تحرّك “القاعدة”، وبين ظهور القوى الفاشية في أوروبا في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي التي مهّدت ممارساتها كما قال لاندلاع الحرب العالمية الثانية.
ومن الغرابة بمكان أن يأتي التهديد بحرب عالمية ثالثة تشنّها الولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين من شخص ينتمي إلى هذه الأمّة فأبي زيد هذا من أصل لبناني عربي، أي من أبناء جلدتنا، يزعم أن ظهور ما يسميها “الفاشية الإسلامية” سيؤدي إلى حدوث حرب عالمية ثالثة من دون أن يقول لنا ما إذا كان بوسع التنظيمات الإسلامية مثل حركة حماس والجهاد في فلسطين شنّ مثل هذه الحرب الكبرى. المهم أنه ذكر لفظ “الحرب العالمية الثالثة” وهو لفظ يذكره لأول مرة مسؤول أمريكي رفيع المستوى. وربما كانت مهمة أبي زيد هي ذكر هذا اللفظ فقط، لكي يدخل في القاموس الإعلامي ويتعوّد عليه الناس تمهيداً للدخول فعلياً في هذه الحرب، إلاّ أن حرباً عالمية ثالثة لن تحدث من فراغ، ولن تحدث بين تنظيمات إسلامية متشددة وبين الولايات المتحدة، لأن مثل هذه الحرب تتطلّب دخول دول كثيرة في العالم فيها، وليس تنظيمات إسلامية صغيرة ومحدودة القدرة والإمكانيات. وإذا حدثت هذه الحرب، وهو أمر غير مستبعد، فإنها ستحدث بين الأقطاب في العالم، أي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. وقد تكون المنطقة العربية والإسلامية ساحة الصراع الرئيسية بين هذه الأقطاب. لكن حتماً هذه الدول الثلاث ستكون هي من يحصد نتائج هذه الحرب سواء في الربح أو الخسارة.
ومنذ إقدام الولايات المتحدة على احتلال العراق عام ،2003 رغم إرادة المجتمع الدولي، بدأت روسيا والصين وهما دولتان كبيرتان ومستقلتان عن الولايات المتحدة تتلمسان الخطر الأمريكي الداهم عليهما. فالتقت مصالحهما على محاصرة الولايات المتحدة ومنعها من تحقيق هدفها في إحكام السيطرة على العالم. وسرعان ما تجلّت هذه السياسة الروسية الصينية على أرض الواقع من خلال تقديم العون والمساندة العسكرية والدبلوماسية للدول الرافضة للهيمنة الأمريكية في المنطقة العربية الإسلامية وفي العالم أجمع. فظهر حلف عالمي معادٍ للولايات المتحدة تقف على هرمه روسيا والصين وفي القاعدة هناك مجموعة من الدول النامية في أماكن مختلفة من العالم. ففي اقصى الشرق توجد كوريا الشمالية وفي المنطقة العربية والإسلامية توجد سوريا وإيران والسودان وحزب الله وحماس، وفي أوروبا توجد روسيا البيضاء، وفي أمريكا اللاتينية توجد كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا، وفي أفريقيا هناك زيمبابوي. وكل هذه الدول والتنظيمات تشترك في العداء لأمريكا وتسعى إلى تحطيم القوة الأمريكية بأية وسيلة.
ولما كان الشرق الأوسط هو ساحة الصراع الرئيسية بسبب أنه يقع في قلب العالم وبه المخزون العالمي من النفط. فإن هذه المنطقة تشهد الآن صراعاً خفياً بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وبين روسيا والصين وحلفائهما في المنطقة العربية من جهة أخرى. وقد اتضح أن الولايات المتحدة تتراجع حظوظها في الفوز بهذا الصراع، وأولى الدلائل على ذلك هو فشلها في تثبيت الأمن في العراق وغرقها في المستنقع العراقي على الرغم من وجود أكثر من 150 ألف جندي لها فيه، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجنود الآخرين التابعين لدول حليفة لها. وقد أصبحت الآن مضطرة إلى الخروج من العراق بأية وسيلة. كما كان العدوان “الإسرائيلي” الفاشل على لبنان دليلاً آخر على تقهقر المشروع الأمريكي في المنطقة لأن “إسرائيل” والولايات المتحدة شيء واحد لا فرق بينهما. وكذلك، فإن صعود إيران وعجز الولايات المتحدة ودول الغرب الحليفة لها عن اتخاذ قرار في مجلس الأمن لفرض عقوبات دولية عليها هو دليل آخر على تراجع المشروع الأمريكي. فقد أصبحت إيران على أعتاب امتلاك التقنية النووية وتؤكد دائماً أنها لن تتراجع عن حقها في امتلاك هذه التقنية مهما كانت التضحيات.
ولا شك أن صعود إيران يعني بشكل حتمي تراجع الهيمنة الأمريكية على المنطقة. وبالتالي تقدم روسيا والصين ولأن الحرب هي العلاج الأخير لمشاكل السياسة، فإن الولايات المتحدة إذا وجدت مصالحها في المنطقة العربية معرّضة للدمار، فهي حتماً ستشعل حرباً عالمية للحفاظ على هذه المصالح، وهذا بالضبط ما حدث قبل الحرب العالمية الثانية عندما وجدت بريطانيا وفرنسا أن مصالحهما في أوروبا والعالم مهددة من قبل ألمانيا وإيطاليا اللتين كانتا تسعيان إلى تقويض هيمنة هاتين الدولتين في العالم. ولذلك، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا عام ،1939 فاندلعت تلك الحرب التي ما لبثت أن تحوّلت إلى حرب عالمية بعد دخول إيطاليا فيها عام 1940 والولايات المتحدة واليابان عام 1941. وبالنتيجة خسرت بريطانيا وفرنسا إمبراطوريتهما وتحولتا إلى قوى ثانوية في العالم أمام القوى الجديدة الصاعدة المتمثّلة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق.
والآن إذا أشعلت الولايات المتحدة حرباً عالمية للحفاظ على مصالحها، فإن إمبراطوريتها سوف تنهار كما انهارت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية، وبانهيار الإمبراطورية الأمريكية فسوف يزحف الضباب فيمحو آخر ظلالها لتنتصب الأشباح في شتائها القارس وتختفي شمس الغرب لتغرب إلى الأبد عن العالم وتفقد الحياة والحركة والفعل.
* نقلا عن جريدة "الخليج" الإماراتية