بسم الله الرحمن الرحيم
دخلتْ عليَّ مكتبتي إحداهن، وهي تبكي وتشتكي مِن أمِّها وسوء معاملتها، وعدمِ العدل بينها وبين إخوتها، وتفضيلِ أختيها الكبيرةِ المتزوجة، والصغرى التي في المرحلة الثانوية، وتقول:
أمي لا تفتأ تُمجِّد أختي الكبرى باستمرار، وتَذكُرُها بخير، ولم تقتصر على ذلك؛ بل حتى أمام الغرباء والضيوف، بل إنها تُسَرُّ كثيرًا عندما تنظر إليهما وتتحدث باستمرارٍ عنهما، وكأني لستُ ابنتَها! حتى أصبحتُ في وضعٍ منَ الضيق والألم الشديد، ويزداد ألمي؛ لأنها لا تحرص على مشاعري وإظهار محبتها واهتمامها لأختي مِن دوني، وأصبحتْ مشكلتي تؤرِّقني، وأتيتُ لأتخلصَ مِن هذه المشكلة.
سألتُها -في البداية- عن حالة والدتها.
وأجابت: أمي معقَّدة، ومريضة في الفراش.
وسألتُها: -مِن وجهة نظرِها- ما سببُ هذه التصرفات؟
أجابت: لا أعرف! بالرغم أني أُشرِف على إطعامِها وتمريضِها وقضاءِ حاجاتها؛ فأنا الوحيدة التي أقوم بهذا الأمر، وأنا مسؤولة عنها؛ باعتبار أني أكبر مَن في المنزل.
قلتُ لها: حدِّثيني عن يومِك؛ كيف تقضينه؟
أجابت: عند عودتي من الكلية: أهتم بتهيئة الطعام لها، وأُشرف على علاجها، ثم أُصلح لها قهوتَها، وأَدخل غرفتي أذاكر دروسي، وأقضي حاجاتي، وأستأنسُ بالحديث مع زميلاتي بالهاتف.
سألتُها: كيف كانت أختك الكبرى قبل زواجها تتعامل مع والدتك؟
قالتْ: كانت دائمةَ الجلوس والحديثِ معها، وتناول القهوة، وكانت تحضِّر دروسَها أمامَ والدتي؛ فلا تتركها حتى تنامَ، وتحاول كثيرًا تسلِيَتَها ومداعبتها، حتى أنها تُناولها الطعام بيدها، وتسقيها الماء والدواء بِيدها، ولا تجعل والدتي تعمل أيَّ عمل بنفسها.
وسألتُها عن أختها الصغرى.
قالت: لا تهتم بطعام أمي أو الإشراف على علاجها أو حاجاتها. ولكنها دائمةُ الجلوس عند رجليها، تقبِّلها وتغمزها وتسلِّيها بالأحاديث والطُّرف.
سألتُها: هل حاولتِ الجلوس مع والدتك والحديث معها، أو تسليتها، أو تناول القهوة معها، أو مع ضيوفها؟
أجابتْ: لا! أنا لستُ كذلك؛ أنا مشغولة بدراستي، ولا أجلس معها إلا لقضاء حاجة لها، ثم أجلس لوحدي في حجرتي.
قلتُ لها: معنى ذلك: أنَّ والدتَك تظل لِوَحدِها تقضي وقتًا طويلاً دون حديث مع أي أحد إلا أختك الصغرى؟!
أجابتْ بـ: نعم؛ لأني أرى والدتي تحتاج للراحة والطعام والعلاج، ثم النوم.
قلتُ لها: أدركتِ الفرق بين معاملتك ومعاملة أخوتك لوالدتك؟
قالت: نعم، ولكني أَقضي لها حاجاتٍ ضروريةً، وهنَّ يفعلنَ أشياء للتسلية وتمضية الوقت!!
قلتُ لها: المريض والكبير في السن يحتاج -كغيره مِنَ الناس يحتاج- إلى مَن يجالسه ويؤنسه، ويتحدث معه.
قالتْ: لدي واجبات ومذاكرة، وأشياء شخصية أحب أن أنفرد بها، وليس لدي وقت!
قلتُ: لو جلستِ بجوارها؛ لكنتِ بعملك هذا سببًا لإدخال السرور إلى قلبها والحصول على دعوة توفقك في حياتك. ثم الراحة النفسية التي تشعرين بها عندما تكونين بجوارها.
قالتْ: أدركتُ الآن المشكلة الحقيقية، وعرفتُ سببَها.
وابتسمتْ، وقالت: ومنذ اليوم سأكون بجوارها عملا بقولِ الحبيب -صلى الله عليه وسلم- عندما سأله الصحابيُّ عن أحَقِّ الناس بحُسن صحابته، قال: " أمُّك " وكرَّرها ثلاثًا.
د. سميرة بنت حسن أبكر
أستاذة التربية وعلم النفس بكلية التربية للبنات بجدة.
[جريدة " المدينة "، ملحق " الرسالة "، الجمعة 27 جمادى الأولى 1427هـ، ص: 4].
منقول