الحمد لله الذى رضى من عباده بالقيل من العمل , وعفا لهم عن الكثير من الذلل, وعاملهم بالرحمة والإحسان والفضل وما طلب منهم الأجر ولا البدل , وأشهد أن لا إله إلأ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وأمينه على وحيه وحبيبه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًً.
ثم أمّا بعد .....
فمنذ خمسة أيام تقريبا ً اتصل بى أخ من الأخوة الأفاضل على الهاتف الخاص بى , وكانت المكالمة على هذا النحو التالى ...
أنا : السلام عليكم
الأخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أنا : أهلاً بالأخ فلان
الأخ : أهلا بك يا أخى اسف لإزعاجك
أنا: لا والله ما أزعجتنى ولا شىء
أنا : تفضل أؤمر وقل ما عندك وأنا تحت أمرك
الأخ :أحتاج منك أن تراجع معى بعض الأذكار
أنا: أى أذكار؟
الأخ: أذكار عيادة المريض
أنا : لم؟خيراً؟هل هناك مكروه والعياذ بالله؟
الأخ : نعم إنه ابن خالى
أنا: مابه؟
الأخ :فى المستشفى ... مريض .. فى الإنعاش وحالته صعبة جدا
أنا: لم؟ خيراً
الأخ: أصابه ما يشبه الجلطة وهو فى غيبوبة تامّة
أنا: لا حول ولا قوة إلا بالله لا بأس طهور إن شاء الله , استعن بالله أخى وأصبر ولا تقنط من رحمة الله تعالى واحتسب
وادع الله تعالى له وصبِّر أهله وأوصهم بالتماسك.
وخذ يا أخى الفاضل هاهى أذكار عيادة المريض .
ثم أمليته ما وفقنى الله عزوجل إلى مراجعته وقتها ثم أنتهت المكالمة.
ثم أغلقت الهاتف
وجلست مع نفسى أفكر وأفكر . سبحان الله الحىّ القيوم.
هذا شاب فى مقتبل العمر لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره و لله فى خلقه شؤون.
ماذا كنت تفعل لو كنت مكانه؟ وأنت فى غيبوبة لم تعد قادر على التفكير ولا التحريك لأى ساكن ولا حتى تقدر على التلفظ بأى لفظ.
بل أنت فى غيبوبة لا يعلم متى تنتهى إلا الله عزوجل.
سبحان الله , وقتها ستتمنى أن تسجد لله سجدة أو تقلب فى ورقات المصحف أو تنزل على يديى والديك وقدميهما لتقبلها , أو تدخل يدك فى جيبك لتخرج صدقة أو تخرج هاتفك فتصل رحمك أو أو أو .......
سبحان الله
هل أعددت لمثل هذا الموقف عدته؟
هل عملت من الخير ما يرحمك الله عزوجلّ به يومها؟
هل أنت أحسنت الظن بالله عزوجل فتجده عند ظنك به؟
هل أنت أتيت بالباقيات الصالحات والأعمال الطيبات و و و و؟؟؟
ثم انشغلت فى الدنيا وأخذتنا فى كنفها كالعادة و الصحبة والخلطة والفضول من الطعام والشراب والمخالطة والضحك والمزاح وسائر الملهيات..
وكأنى لم أسمع شيئاً وكأنى لم يرسل الله عزوجل إلى برسالة كى أتوقف وانتبه أن العمر إنما هو أنفاس معدودات.
ومرت الأيام القلائل
وإذ بى اليوم وأنا نائم مرتاح البال , أستيقظ على صوت رنات الهاتف.والمتصل هو الأخ الذى اتصل سابقاً....فرددت عليه ....
أنا : السلام عليكم
الأخ : وعليكم السلام كيف حالكم يا اخى الفاضل؟
أنا : الحمد لله بخير
الأخ : أخى الفاضل ممكن أسألك سؤال؟
أنا : نعم بالتأكيد أخى الفاضل تفضل
الأخ : ما حكم المشاركة فى السرادقات وما شابهها من تلك الأمور المحدثة؟
أنا : هى بدعة أخى الكريم وجاء إنكار شديد عليها فى السنة النبوية المطهّرة...ولكن لم تسأل أخى الفاضل؟
الأخ : الله المستعان... لقد مات ابن خالى
أنا: لا حول ولا قوة إلا بالله ... نسأل الله تعالى أن يرحمه و يرحمنا إذا ما صرنا إلى ما صار إليه .
ثم أغلق الاخ الفاضل المكالمة وأنا أشعر كأنّى فاقد الوعى لا أرى أمامى.وكأنى ضُربت على رأسى فغبت عن الوعى.
وها أنا الان جالس أتدبر فى أمور عدة.....
اليوم الاخ مات وأهله ومقرّبوه يتضرعون إلى لله عزوجل أن يشفيه و أن يعفوا عنه ولكنه قدره وأجله وقيامته ثم تذكرت قول الله تعالى
{كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ}( 26 ) {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} (27) سورة القيامة.
فقلت سبحان الله
من يقدر على أن يرقى تلك الروح ويرجعها لتمكث وتسكن بين الأهل والأحباب.
هل يوم أن تخرج روحى سأكون ممن قال فيهم النبى صلى الله عليه وسلم . تأتينه ملائكة سود الوجوه ؟ أم ستأتينى ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس؟
وهل سيُكتب كتابى فى عليين أم فى سجّين؟
تذكرت حال الموت والغرغرة والسكرات.
ولن أكمل مقالتى لأنى لا أجد ما أعبر به عن الحال التى ينبغى أن يكون فيها كل من فكر فى هذه اللحظات .
ولكن ما أنا متاكد منه هو أنى يجب أن أعمل لتلك اللحظات قبل أن أعجز عن العمل.
وأنى يجب أن أعيش على الحالة التى أحب أن أموت عليها .
وأنى يجب أن أراجع نفسى فى أمور كثيرة جدا لا تُحصى قبل ألا تنفع المراجعة ولا الندم
= = = = = = = = = = = وأعتذر عن إطالتى عليكم.
ولكنى لم أجد ما أخرج فيه خاطرتى إلا هذا المكان لعل ما يدور فى ذهنى هو نفسه ما يدور فى ذهن أناس اخرين .
ونسأل الله العظيم بأسمائه لحسنى وصفاته العلى أن يرحمنا وأن يتجاوز عن ذللنا وأن يقبلنا إذا ما ألحَحنا الطرق على أبواب رحمته ومغفرته وعطفه وكرمه.اللهم امين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته