زوجتى ستدفعنى للجنون؟ للشيخ عبد العزيز بن عبد الله المقبل
السؤال
زوجتي ستدفعني إلى الجنون.. لماذا؟! فهي دائماً طلباتها لا تنتهي، لا تقنع، كل يوم خروج لمحلات الموضة والأزياء، لا تعود إلا بصرف الألوف ولم تقنع، وضعت لها مصروفا فوق 1000 دولار شهرياً.. ما أرضاها!! مشاكل في كل وقت، ترفع صوتها علي، وأقدر ذلك لحرارة فيها، وبسبب ذلك ضربتها بعنف، فتتراجع وتتأسف، لكن بعد سويعات تعاود النقاش بالصراخ.... هل أضربها؟ أكاد أجن.. نذهب للسفر وفي كل وقت تسبب لي مشكلة، مثلاً أسألها عن شيء ما فترد علي: ما عليك.. مو شغلك.. فيجن جنوني، ضربتها بقسوة في كل بلد (لبنان.. لندن.. باريس.. دبي.. سيدني) بكل مكان ترفع ضغطي، أعتقد أنها تتلذذ بالضرب، ولكن أحتقر نفسي لما أمد يدي عليها، أحياناً أثور عليها، وبعد الثورة أرضيها بعقد من الماس تفوق قيمته 5000 دولار، وهذا ليس شرطاً، لا تقولوا إنها تريد ذلك، فأنا أعرفها جيداً.
أنا شاب مقتدر، أحب السفر والبشاشة والنكت الحلوة بأي شكل، أؤدي حق ربي، ولكن لست ملتزماً، لا أشرب ولا أمارس!! شكلي مقبول جداً، أبيض البشرة طويل القامة، يعني ـ والحمد لله ـ لا يعيبني شيء.. ماذا أفعل؟ لا أريد طلاقها ولا أريد ضربها ولا أريد صراخها، ولا أريد إلا الأخلاق الحسنة. بالله ماذا أفعل؟ إنني منتظر منكم التوجيه السليم والإرشاد الصحيح..... وفقكم الله وسدد خطاكم.
الجواب
أخي الكريم:
يبدو لي أنك حين الارتباط بزوجتك نظرت إليها من زاوية واحدة فقط وهي الجمال!! وأنك لا تزال أسير ذلك الجمال..
إنها كما تقول (ستسبب لك الجنون) و(تعاود النقاش بالصراخ) و(في كل وقت تسبب لك مشكلة) و(ترد عليك فيجن جنونك لدرجة أن تضربها بقسوة) (وأنها في كل مكان ترفع ضغطك) مع أنك (توفر لها مصروفا معقولاً جداً).. (إضافة إلى الترضيات الكبيرة التي تلي ضربك إياها)..
ذلك كله يعطي مؤشرين :
الأول: شدة ارتباطك بها.. ولعل جمالها نقطة ضعفك تجاهها.. ولذا فأنت رغم الأمور السلبية المزعجة لك فأنت تبحث لها عن الأعذار، فتقول: (وأقدر ذلك لحرارة فيها).. وتقول: (لا أريد طلاقها ولا أريد ضربها).
الثاني: أن زوجتك عرفت نقطة الضعف عندك فانطلقت على سجيتها تبعثر المال و تستفزك في التعامل .
أخي الكريم:
إن زوجتك ربما عاشت مدللة.. ولم تتلق ثقافة زوجية (إن كانت تلقت تربية عامة معقولة!!) واستكملت أنت مشوار الدلال.. وأحسب أن زواجك بها كان له بعده الاقتصادي!! إذ بيعت عليك زوجتك جسداً.. وأنت أردت أن تعمق روابطها بك عن طريق إطلاق يدها في المال.
إن زوجتك تعاني فراغاً داخلياً هائلاً تريد ملأه وتغطيته بالإغراق في المشتريات.. وهي بذلك كمن يشرب البحر؛ كل جرعة تزيده عطشا. وأنت باعتبار نظرتك إليها تحفة نادرة - ذات ثمن باهظ في اللغة الاقتصادية - بالغت في الاحتفاظ بها دون أن تجري لها أي صيانة .
أخي الكريم:
لم أجد مفردة (مكة) و(المدينة) ضمن محطات السفر التي تتردد عليها.. وألحظ أن حوارك مع زوجتك لم يقف عند محطة غير محطات الشجار والترضية بعد الضرب!! … وبذا فزوجتك ظالمة ومظلومة.. لم يبذل أهلها مجهودا في تربيتها وأنت تلقفتها كما جاءت.. وبذا فهي بدأت تستغل مكانتها - التي تدركها جيداً من تعاملها معك - في تحقيق أكبر مكاسب لها، في ظل غياب رؤية لديها ناضجة.
وهي السباحة في (بحر) الاستهلاك حتى الغرق.. لتسارع في إنقاذها (بقارب) الفواتير.. لتعود إلى بحر الاستهلاك ثانية ـ رغم شجارك وانفعالك وضربك ـ فليس لديها من العمل ما تملأ به وقتها غير السياحة، سوى ممارسة التسوّق.
ويسعفها في ذلك تلك المحطات السياحية المتجددة.. ثم هي بفعل الفراغ النفسي لا ترى شيئا يستحق السعي إليه لتردم به (حفرة) الفراغ سوى الجانب المادي من الحياة.. وقمتّه عند المرآة الجمال الصناعي الذي تضيفه على جمالها الطبيعي .
أخي الكريم:
ورد في سؤال مشكلتك قولك: (أؤدي حق ربي ولكن لست ملتزما.. لا أشرب ولا أمارس!!) وهي جملة غائمة.. ولا أدري ماذا تعني بكلمة "ملتزم" ؟! ولكني في الوقت الذي آمل فيه أنك (مقيم الصلاة ) في كل ما تعنيه كلمة (مقيم)؛ إذ لا اعوجاج ولا انحراف؛ أذكّرك بكلمة أحد السلف رحمهم الله: (إني لأعصي الله فأجد ذلك في خلق زوجتي ودابتي).
أخي الكريم:
شفاء زوجتك في الصلاح الذي فسّره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "خير ما يكنز المرء امرأة صالحة؛ إن أمرها أطاعته.. وإن نظر إليها سرّته.. وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله".. ولكن هذا الصلاح المنتج يُوصل إليه عبر طريق طويلة مكلفة، ولكنها تهون عند تذكّر ثمراته الحلوة.
ومن معالم هذا الطريق: القدوة الصالحة من قِبَلك.. يتلوها التوجّه الجميل الذي يأخذ بيد التطبيق.. تدعمه الصديقاتُ الصالحات. ويؤكده محاولة تحويل البيئة المحيطة؛ وأقربها وأولاها البيت.
وقتها تذوق زوجتك ـ وتذوق معها ـ طعماً مختلفاً للحياة.. تبقى معه محافظة على جمالها، ولكن بعد أن يتشكّل مفهوم جديد للجمال لديها.. تدرك معه أن فقد جمال الباطن لا يعوّضه التسوق مهما كان السوق ومهما كانت قيمة الفاتورة.. ووقتها تستمتع بجمال مضاعف لزوجتك بدل جمال محاط بالقبح!!
وفقك الله .