كان الوقت ليلاً، وكان هو في غرفته، بين يديه ورقة يكتب فيها، حيناً بسرعة وحيناً
يتوقف ليحذف كلمة كتبها، وحيناً يقف مفكراً، ولكن متى ما توقف عاد بسرعة إلى
الكتابة على الورقة بيده، مضى وقت والورقة بين يديه.. أحس بأنه انتهى فأخذ يتأمل
الورقة ويعيد قراءة ما فيها مرات كثيرة، لما انتهى من التأمل فيها، قال لنفسه بزهو
وافتخار: "لا شك ستحوز إعجاب أستاذ اللغة العربية في المدرسة"، وبيَّت في سره أنه
سيعرضها على أستاذه غداً..
أشرقت الشمس معلنة بدء يوم جديد يحمل في طياته الجميل والقبيح..
يسير بروح مفعمة بالحيوية نحو مدرسته وفي جيبه ورقة البارحة، كان طوال اليوم ينتظر
بشوق درس اللغة العربية، الدروس باتت جميعها مملَّة مع الانتظار، فدرس اللغة هو
الدرس السابع، بين كل درس ودرس كان يُخرج ورقته يتأملها ويكرر النظر فيها معجباً..
مضت الدروس وأتى الدرس السابع وهو الدرس المنتظر، بدا نشيطاً متفاعلاً مع الشرح،
ولما انتهى المدرس من شرحه جعل الوقت المتبقي وقتاً حراً يفعل فيه الطلاب ما
يشاؤون، كل طالب راح يتحدث مع زميله أو يضع رأسه على الطاولة متمنياً الراحة..
صاحبنا لم يتحدث مع من بجانبه ولم يضع رأسه على الطاولة، بل قام متوجهاً ناحية
المدرس، أخرج من جيبه ورقة الأمس وفتحها قائلاً لأستاذه: "لقد كتبت قصيدة وأود أخذ
رأيك فيها" قال ذلك وهو يمد الورقة للمدرس..
قبضها المدرس مفتوحة، قرأ ما فيها بسرعة..
صاحبنا كان ينتظر من المدرس مدحاً أو نصحاً، ينتظر المدرس أن ينتهي من قراءة
الورقة، ينتظره بحماسة لا مثيل لها..
انتهى المدرس من قراءة القصيدة، وقال لتلميذه: "أتسمي هذا شعراً؟!! هذا نثر مفصول
بين أجزائه.. " قال ذلك ببرود دون أن ينظر إلى تلميذه..
وقعت الكلمات على روح الطالب كوقوع صخرة ثقيلة على قشر بيض هش.. حطَّمت الكلمات روح
الطالب وقتلت فيه شاعريته دون ترك أدنى أمل بحياتها..
ومنذ ذلك الوقت وقلم التلميذ أصبح مشلولاً لا يسير على الورق كما كان يسير من قبل.