بقلم عائض القرني...
الرفق
ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، اللين في الخطاب،
البسمة الرائقة على المحيّا، الكلمة الطيبة عند اللقاء، هذه حلل منسوجة
يرتديها السعداء، وهي صفات المؤمن كالنحلة تأكل طيبًا وتصنع طيبًا، وإذا
وقعت على زهرة لا تكسرها؛ لأن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. إن
من الناس من تشرأب لقدومهم الأعناق، وتشخص إلى طلعاتهم الأبصار، وتحييهم
الأفئدة وتشيعهم الأرواح؛ لأنهم محبوبون في كلامهم، في أخذهم وعطائهم، في
لقائهم ووداعهم.
إن
اكتساب الأصدقاء فن مدروس يجيده النبلاء الأبرار، فهم محفوفون دائمًا
وأبدًا بهالة من الناس، إن حضروا فالبشر والأنس، وإن غابوا فالسؤال
والدعاء.
سهرنا ونام الركب والليل مسرف *** وكنت حديث الركب في كل منزل
إن
هؤلاء السعداء لهم دستور أخلاق عنوانه: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي
بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميمٌ}، فهم يمتصون الأحقاد بعاطفتهم الجياشة،
وحلمهم الدافئ، وصفحهم البريء، يتناسون الإساءة ويحفظون الإحسان، تمر بهم
الكلمات النابية فلا تلج آذانهم بل تذهب بعيدًا هناك إلى غير رجعة.
إنهم
في راحة والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سلام؛ "المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم"، "إن
الله أمرني أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني"،
{والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} بشر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة
والسكينة والهدوء.
من سالم الناس يسلم من عواذلهم *** ونام وهو قرير العين جذلان
وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.