المليونير المفلس
بين الفقر والغني مشوار كفاح طويل وعرق غزير ومجهود شاق وكدح النهار وسهر الليل.. أما ما بين الغني والفقر فهي لحظة.. وهذا هو الفرق دائماً بين الصعود والهبوط.. ليس الأمر كذلك فقط بل من العادي ان تكون فقيراً.. ولكن ليس من الطبيعي ان تكون فقيراً مفلساً بحكم محكمة.
خمسة جنيهات كانت كل ما أملك من حطام هذه الدنيا.. لا تكفي لأي شيء حتي وجبة طعام.. لا يوجد غيرها أمامي ولا خلفي.. ولا استطيع انفاقها او التصرف فيها فهي رغم تفاهتها إلا انها بالنسبة لي "ثروة" وقررت ان استثمرها.. نعم استثمرها.. قد يكون هذا الكلام نوعاً من الجنون.. أو شيئاً من الخيال او رواية سينمائية.. ولكن ذلك حدث بالفعل.. انطلقت بهذه القروش مستغلاً شبابي وطاقتي في العمل فقد كان عمري وقتها حوالي خمسة وعشرين عاماً.. بدأت بائعاً للمقابض والكوالين ومستلزمات الأبواب والنوافذ أبيع لحساب أحد التجار الكبار.. واعود إليه بالحصيلة واحصل علي الربح الذي يرزقني الله به.
سارت الامور علي مايرام وانا اضع القرش فوق الآخر وقد اعلنت التقشف وربط جميع الاحزمة حتي تمكنت خلال عدة سنوات من ادخار ثلاثة آلاف جنيه شعرت حينها بأنني امتلك نصف الدنيا.. بل الدنيا كلها.. وهنا كانت الوقفة مع النفس.. فلابد من تطوير العمل وتنمية هذا المال والتوسع في التجارة والعمل لحسابي الخاص.. وفقني الله في الحصول علي عقد عمل مع احدي الشركات الكبري التي تعمل في تجارة الألومنيوم أيضاً.. فقد شربت السوق وعرفت اسرار وخبايا المهنة.. لابدأ مرحلة جديدة في حياتي. وكما يقول المثل الشعبي "الفلوس تجيب فلوس.. فكان بالفعل نمو تجارتي سريعاً.. وتوسعت اكثر واكثر وازدادت الارباح.. كدت معها انسي نفسي.. إلا انني استدركت ذلك بسرعة وقبل فوات الاوان وتزوجت وانجبت ثلاثة ابناء.. وكانوا زهوراً متفتحة تدخل السرور علي نفسي.. وازداد جهدي وكدي وعرقي حتي أومن لهم مستقبلهم وأجنبهم الصعاب والمشاق التي واجهتها في حياتي.. كان توفير الحياة الكريمة لهم هو كل ما يشغل بالي ويدور في رأسي.. إن ما عانيته وانا طفل وصبي وشاب قصة اخري لا مجال لها الآن.
المهم.. توسعت تجارتي فقررت إقامة مقر دائم لي.. وقمت باستئجار محل خاص بي في شارع الملك فيصل.. وراجت التجارة اكثر واكثر.. فلم يتوقف طموحي.. وتوجهت نحو المزيد من التوسعات.. فافتتحت مركزاً للمعادن ومستلزمات الديكور علي مساحة 450 متراً وتم تجهيزه بحوالي 500 ألف جنيه.. وكان به بضائع بحوالي 750 ألف جنيه.. وايضاً لم يكن للطموح حدود فأنشأت شركة لتجارة الألومنيوم .. وبلغت مبيعاتي كموزع حوالي ثلاثة ملايين جنيه في السنة.
لاحظوا من الفقرة التالية حيث سيتحدث الرجل عن اقتراضه من البنك قروضا ربوية بفائدة ستنهال عليه المصائب والأزمات
فجأة ارتفعت أسعار الألومنيوم.. ولكي احافظ علي مستوي تجارتي وتعاملاتي وعملائي.. قررت اللجوء الي احد البنوك الوطنية الكبري.. اقترضت 500 ألف جنيه بضمان رهن مركز المعادن.. ولم يتم تسجيل عقد الرهن وحصلت علي القرض بدون ضمانات.. وبعد مرور سبعة اشهر توجهت الي البنك مرة اخري لزيادة الحد الائتماني الي مليون و600 ألف جنيه.. ولأنني حسن التعامل مع البنك حصلت علي الموافقة وتم تسجيل عقد الرهن لصالح البنك لضمان القرض.. وقام الخبير المثمن في عام 1999 بتقييم المركز بثلاثة ملايين و350 ألف جنيه.. وانطلقت في تجارتي ألعب بالملايين.. وبعد عام واحد حدثت هزة عنيفة في السوق بين ارتفاع وانخفاض في الاسواق.. كما لو كانت سفينة تتلاطمها الامواج العاتية.. فبدأت أهتز بعنف وتناثرت الملايين في السوق.. بل ضاعت في هذا الخضم الذي لم اكن اتوقعه أبداً.. وبدأ البنك يطالبني بالاقساط والفوائد وبدأت ب 770 ألف جنيه.
حوالت ان اتماسك واواصل تجارتي.. عسي ان تكون تلك مجرد ريح وتمر بسلام.. سافرت الي منطقة الخليج لاستيراد صفقة خردة المنيوم.. وفوجئت هناك بارتفاع الاسعار.. وبقيت أبحث عن أية صفقات او تعاقدات دون جدوي.. والامر يزداد سوءاً.. ولأن المصائب لا تأتي فرادي.. فقد فوجئت بعد عدة اشهر باتصال من زوجتي وتحديداً في عام 2003. تخبرني بوجود لافتة كبيرة علي "المركز" بعرضه للبيع في المزاد العلني وبالطبع وللوهلة الاولي اعتقدت ان البنك فعل ذلك وفاء للدين بناء علي الشيكات التي وقعتها له وعقد الرهن المحرر بيننا.
استمر بي المقام خارج مصر اكثر من ثلاثة اعوام لا ادري كيف مرت.. والحال تزداد سوءاً كل يوم وانقلبت حياتي رأساً علي عقب.. فقررت العودة لمواجهة الواقع والظروف ولا داعي لأن اضع رأسي في التراب مثل النعامة.. ومن الأفضل البحث عن مخرج من هذه الازمة الطاحنة.
عدت العام الماضي لتتسمر قدماي علي اول مشهد امام "المركز" فقد تم انتزاع اللافتة الخاصة بي وتغيرت معالمه تماماًًً.. وتم تعليق لافته لإحدي شركات المحمول.. توجهت بعد ايام قليلة ومعي المحامي الي فرع البنك لمعرفة ما حدث ووضع حد لهذه المأساة والبحث عن مخرج للتسوية.. وهناك كانت المفاجآة الاكبر ان البنك ليس طرفاً في الموضوع وليس له علاقة بما تم في ذلك كله.. بل لا يعرف المسئولون به شيئاً علي الاطلاق.. فتوجهت الي الفرع الرئيسي للبنك.. ولم تكن المفاجأت قد انتهت فاكتشفت ما لم يكن في الحسبان علي الاطلاق.. صدور حكم بإفلاسي في دعوي رفعتها شركة الألومنيوم التي كنت اتعامل معها.. قالت انني لم اسدد لها ثمن بضائع وقامت ببيع "المركز" بمبلغ 228 ألف جنيه فقط بما فيه من بضائع وتجهيزات والذي كان ثمنه مقدماً قبل 7 سنوات بثلاثة ملايين و350 ألف جنيه.. وقام المشتري بتأجيره لاحدي شركات المحمول بثلاثة آلاف و500 جنيه شهرياً.. وهكذا تشابكت الخيوط والعقد ولا اعرف لها طرفاً لابدأ الامساك به.. بل هي التي تلتف حول رقبتي ليلاً ونهاراً تخنقني كل لحظة.
الي هنا الأمر لم ينته.. بل زاد الطين بلة أن مديونية البنك علي وصلت الي 9 ملايين جنيه بسبب عدم السداد وتراكم الفوائد.
والآن.. بعد اللعب بالملايين لا اجد الملاليم.. ولا املك اي مورد رزق لي ولاولادي وزوجتي.. تبخرت اموالي مع احلامي.. وانقلبت الحال.. ومازلت انتظر الفرج من السماء بعد ان طعنت امام المحكمة في اجراءات البيع.
نسيت ان اقول لك ان اسمي بيومي محمد علي وعمري الآن 52 سنة.
المصدر: جريدة الجمهورية المصرية
http://www.algomhuria.net.eg/algomhuria/today/accedents/detail04.asp
عدد الخميس 1مارس 2007م
أخيرا، نسأل الله أن يفرج كرب الرجل وأن يبارك له في رزقه وأهله، وأن ييسر له سداد ديونه، وعلينا أن نأخذ العظة والعبرة مما حدث بالحذر من الربا والقروض الربوية خصوصا من البنوك التي تقرض المواطن المسكين عشرة قروش لتستردها عشرة جنيهات، يقول الله تعالى:
" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {275} يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {276} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {277} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {279} وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280} وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {281}"